كلمة في الغلو واحترام العلماء

                                              

 

                                     

                                بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:

فقد سبق منا كتابة نصيحة لإخواننا من أهل السنة بينا فيها نهي الشريعة الإسلامية عن الغلو ، ومقتها له ، وأنه من طرق أهل البدع الرديئة للرفع من خسيسة رموزهم ومنظريهم ، وإسقاط أهل الحق وأهل السنة ، وتجاهل علمائهم...

وإننا نبرأ إلى الله من كل غلو أو مبالغة قد تصدر من بعض الناس فينا ،ولايجوز أن نحمّل تبعتها ،وإنما يتحمّلها قائلها.

بيد أن الأمر قد اختلط على بعض الناس فخلطوا بين الثناء على أهل العلم وإبراز محاسنهم ، وبين الغلو أو المبالغة فيهم ..

فذكر محاسن العالم بلطائف العبارات ، وحَسَنِ الألفاظ ، وبما جرت عليه عادة أهل السنة في بيان منزلة بعضهم بعضاً ؛ ليس من الغلو في شيء ...

وأما الغلو فهو رفع الشخص فوق منزلته التي بوأه الله إيّاها ، وبمدحه بما ليس فيه.

وقد يشتبه الأمر عند ذوي الفهم القاصر ، والظنون السيئة فيجعلون الثناء والمدح الحقَّ من الغلو المذموم وهذا من الجهل والغفلة ...

قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_:\\\\\\\\\\\\\\\"الغلو:مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه، على مايستحق ونحو ذلك\\\\\\\\\\\\\\\"(1).

وحدّد الشيخ العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب ضابط الغلو بقوله _رحمه الله_:\\\\\\\\\\\\\\\"وضابطه تعدي ماأمر الله به وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله:{ولاتطغوا فيه فيحل عليكم غضبي}[طه:81]\\\\\\\\\\\\\\\"(2).

فالواجب معرفة منهج وطريقة السلف في ذلك ، ومعرفة الفرق بين الغلو أوالمبالغة في الثناء وبين الثناء المشروع ...

وقد أمر الله بالعدل في كتابه الكريم وأمر به رسوله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- في سنته ..

قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا}[الأنعام:152] ، وقال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية [النحل:90].

وقال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}[البقرة:143]

قال النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((والوسط:العدل))(3).

وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((وثلاث منجيات:خشية الله في السر والعلانية،والقصد في الفقر والغنى،والعدل في الغضب والرضا))(4).

فمنهج أهل السنة مبني على الوسطية والاعتدال ، فدين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

قال الإمام الحسن البصري_رحمه الله_:\\\\\\\\\\\\\\\"سننكم والله الذي لاإله إلا هو بينهما،بين الغالي والجافي\\\\\\\\\\\\\\\"(5).

\\\\\\\\\\\\\\\"وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط ،وهو معنى قول مطرِّف بن عبدالله:(الحسنة بين سيئتين)وبه يعلم أنّ من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى\\\\\\\\\\\\\\\"(6).

فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

 

وإن من منهج أهل السنة احترام العلماء ، وتوقيرهم ، وإكرامهم ، وذكر محاسنهم ، والثناء عليهم ؛ فهم ورثة الأنبياء ، وهم مصابيح الدجى ، وأنوار الهدى ..

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[النساء:59] ، قال ابن كثير :\\\\\\\\\\\\\\\"والظاهر _والله أعلم_أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء\\\\\\\\\\\\\\\"(7) .

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقَّه))(8).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط))(9).

وقال الإمام طاووس بن كيسان -رحمه الله-: \\\\\\\\\\\\\\\"من السنة أن يوقر أربعة: العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد\\\\\\\\\\\\\\\"(10) .

وقال الإمام الطحاوي _رحمه الله _: \\\\\\\\\\\\\\\"وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر ، وأهل الفقه والنظر : لا يذكرون إلا بالجميل. ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل\\\\\\\\\\\\\\\"(11).

فمن علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، والطعن فيهم ، وازدراؤهم ، والحط من أقدارهم ولو كان باسم محاربة الغلو وادعاء العدل.

فمنهج أهل السنة وسط في المدح والذم ، وفي الثناء والتحذير ، لا إفراط ولا تفريط .

فنصيحتي لإخواني من أهل السنة:

أن يتمسكوا بوسطية الإسلام ، وأن يحترموا علماءهم ويذبوا عن أعراضهم ، وأن يشغلوا أنفسهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، وأن يترفعوا عن سفاسف الأمور ، وأن يحذروا من الدخلاء ومؤججي الفتن .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

 

وكتبه/فالح بن نافع بن فلاح الحربي

في21/1/1425هـ

المدينة النبوية

 

 

 

 

.....................................................

(1)\\\\\\\\\\\\\\\"اقتضاء الصراط المستقيم\\\\\\\\\\\\\\\"(1/289)،وبنحو هذا عرّفه الشيخ العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب في\\\\\\\\\\\\\\\"تيسير العزيز الحميد\\\\\\\\\\\\\\\"(ص256).

(2)\\\\\\\\\\\\\\\"تيسير العزيز الحميد\\\\\\\\\\\\\\\"(ص256).

(3)أخرجه البخاري(رقم:4487)من حديث أبي سعيد الخدري _رضي الله عنه_.

(4)أخرجه البزار(رقم:80/كشف الأستار)،والبيهقي في\\\\\\\\\\\\\\\"الشعب\\\\\\\\\\\\\\\"(رقم:745)من حديث أنس بن مالك _رضي الله عنه_،وحسنه المنذري في\\\\\\\\\\\\\\\"التزغيب\\\\\\\\\\\\\\\"(1/174)،والألباني في\\\\\\\\\\\\\\\"الصحيحة\\\\\\\\\\\\\\\"(4/412).

(5)أخرجه الدارمي(1/63).

(6)\\\\\\\\\\\\\\\"أضواء البيان\\\\\\\\\\\\\\\"(1/494).

(7)\\\\\\\\\\\\\\\"تفسير ابن كثير\\\\\\\\\\\\\\\"(1/530).

(8)أخرجه أحمد(5/323)،والحاكم(1/211)من حديث عبادة بن الصامت_رضي الله عنه_،وحسنه المنذري في\\\\\\\\\\\\\\\"الترغيب\\\\\\\\\\\\\\\"(1/64)،والهيثمي في\\\\\\\\\\\\\\\"المجمع\\\\\\\\\\\\\\\"(1/127)،والألباني في\\\\\\\\\\\\\\\"صحيح الترغيب\\\\\\\\\\\\\\\".

(9)أخرجه أبوداود(رقم:4843)،وابن أبي شيبة(رقم:32561)،والبيهقي في\\\\\\\\\\\\\\\"الشعب\\\\\\\\\\\\\\\"(رقم:10986)من حديث أبي موسى الأشعري_رضي الله عنه_،وحسنه الذهبي في \\\\\\\\\\\\\\\"الميزان\\\\\\\\\\\\\\\"(4/565)،وابن حجر في\\\\\\\\\\\\\\\"التلخيص\\\\\\\\\\\\\\\"(2/118)،والألباني في\\\\\\\\\\\\\\\"صحيح الجامع\\\\\\\\\\\\\\\"(رقم:2199).

(10)أخرجه عبد الرزاق(11/137)،والبيهقي في\\\\\\\\\\\\\\\"المدخل\\\\\\\\\\\\\\\"(رقم:664)،والخطيب في \\\\\\\\\\\\\\\"الفقيه والمتفقه\\\\\\\\\\\\\\\"(2/179).

(11)\\\\\\\\\\\\\\\"العقيدة الطحاوية\\\\\\\\\\\\\\\"مع \\\\\\\\\\\\\\\"شرح ابن أبي العز\\\\\\\\\\\\\\\"(2/740).

 




بتاريخ: 2004/09/03