الرد على مذكرة النصيحه الحزبية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعــد :

فإن هيئة كبار العلماء في بلادنا بحمد الله ، وبتوفيقه لهم ونعمته سبحانه علينا وعليهم ، وهم من هم علما وعملا وورعا ونصحاً للعامة والخاصة ، قد قاموا حفظهم الله ببيان أهمية ومنزلة وأدب  النصيحة في الإسلام ، والوجه الشرعي الذي يجب أن تكون عليه ، متفادية موانعها مستوفية شروطها ، منبهين على ضرر الخوج بها إلى الطريق الوعر المركب الصعب الذي يخرجها عن النصح الخالص ، وإتباع طريق الحكمة فيها ، وأوضحوا أجزل الله مثوبتهم عموم النصيحة وشمولها على مقتضى الحديث الشريف ، الدين النصيحة... لله ولكتابه وولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .. وأن   النصح لأئمة المسلمين يكمن في إرشادهم سراً بينهم وبين ناصحيهم ، مع حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم ، وحب إجتماع الأمة عليهم ، وكراهة إفتراق الأمة عليهم ، كما أن طاعتهم في المعروف والتعاون معهم في طاعة الله عِزٌّ للإسلام والمسلمين .

ولقد كفونا في هذا رفع الله درجاتهم ، وكفونا أيضا الإستنكار والإستدراك على الطريقة التي سلكت في نشر وتوزيع ما كتب لولي الأمر عن الأمور التي يراد تحقيقها... ، ولكني أرى إيضاح ما ينطوي عليه جانب من المنشور قل أن أن يدرك إلا بعد البيان ، على أن جانباً آخر يشتمل على دغل ودخن ، ولا تخلو كثير من فقرات المنشور من ملحوظات ، لكن لا يخفى ذلك على أهل هذه البلاد الطيبة وهم يعيشون مع حكومتهم واقعاً يختلف تماماً عما ذكر هنالك ، وبه أيضاً يعرفون ما في ذلك المنشور ومما يستدعي النصيحة إذ النقص من طبع البشر أما الكمال فلله وحده .

ولستَ بمستبق أخاً لاتلمه###على شعث أي الرجال المهذب

لكن تكون النصيحة حياله علىلا الطريقة التي أبانها العلماء الكبار ، وكأن حال أصحاب المنشور – فيما هم محقون فيه – لما كما قال الشاعر :

..............................###والحق قد يعتريه سـوء تعبر

وحالهم في المنشور كله والطريقة التي نشر بها كما قال آخر :

رام نفعاً فضر من غير قصد###ومن البرما يكون عقوقاً

على أننا نجزم أن عامة الموقعين على المنشور لم يوافقوا على نشره ولم يرتضوه ، وربما كان منهم من وقع ولم يتمعن فيه ، وربما كانت عوامل أخرى : من السرعة في تمريره ، والثقة بمن يسبقهم إلى توقيعه ونحو ذلك مما حال دون الرَّويَّة والنظر فيما فيه .

أما الجانب الذي سنبينه إن شاء الله تعالى فهو ما تضمنته الفقرة الأولى في المنشور ، حيث جعل مجلس الشورى المقترح يتولى البت في الشئون  الداخلية والخارجية باسقلال تام  أي أنه بمثابة ( برلمان ) – بلغة العصر – وهذا ما لاعهد للمسليمن به ، بل ولا عهد للإسلام به في ذات أحكامه ، إذ إن البت في الأمور من شأن السلطان أو مكن ينيبه ، ولهذا جاءت النصوص والأدلة الكثيرة تأمر بطاعة الولاة في طاعة الله وطاعة رسوله أي في غير معصية ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إنما الطاعة في المعروف ) وغير معلقة لطاعة ولاة فيما إستشاروا فيه أو أن يتخلو عن مسؤليتهم ورعيتهم لغيرهم .

وما عليه علماء سلف الأمة : هو أن الإمام نائب عن المسلمين يتصرف في مصالحهم وقيام دينهم .

وقد نص على هذا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

أما الشورى في الإسلام فهي طلب المشورة من أهلها عند الحاجة إليها في حق  السلطان وغيره بل قد يشير بالنصح والرشد لأخيه من لم تطلب المشورة منه،

ولا تكون الشورة ملزمة أيضاً ، ولا يشترط أن تكون ممن له صفة رسمية ولم يقل أحد ولم يقل أحد من أهل العلم إنها مشاركة في السلطة والبت في أمور الدولة  والأمة داخلياً وخارجياً ، كما هو حال البرلمنات الأوربية ومن يدور في فلكها ، بل ذلك في الإسلام إلى ولي الأمر سواء قبل المشورة أم بعدها وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) وقال عن المؤمنين ( وأمرهم شورى بينهم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشيروا علي أيها الناس ) وأخذ بمشورة أم سلمة رضي الله عنها في الحديبيّة  وكان في ذلك الخير الكثير والنفع الكبير للإسلام وأهله ، ولم يستشر أبو بكر الصديق رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم في شأن قتال المرتدين ولما أشار عليه بعض كبار الصحابة كعمر بن الخطاب بعدم قتالهم خالفهم وعزم على قتال المرتدين ، وقد إتضح لهم بعد ذلك أن الله قد شرح صدره للحق فتابعوه عليه وإعترفوا له بالإصابة فيه كما صرح بذلك عمر رضي الله عنه نفسه ، ولم يعترض الصحابة على أبي بكر ويقولوا ليس البت في الأمر إليك وإنما ذلك إلينا أو إلينا وإليك مجتمعين ، ولما قدم عمر رضي الله عنه إلى الشام وبلغه على مقربة منها أن مرض الطاعون فشى فيها رجع بالناس إلى المدينة ، وكان قد إستشار الصحابة فمنهم  من أشار عليه بالرجوع ومن أشار بالمضي ، وقد بت في الأمر ولم يجعل البت فيه إلى غيره ولم يعترض عليه الصحابة  رضي الله عنهم – وفيهم كبارهم من المهاجرين الأولين ، والأنصار ، ومهاجرة الفتح – بأن البت في الأمر

  إليهم وليس إليه .

هذا هو حال الأمة المسلمة وهذا شأن الحاكم المسلم في الشورى وهذه الشورى في الإسلام ، والحكم في الإسلام تنفيذي وليس تشريعياً كما يضنه بعض الناس مقارنة لمنهج الإسلام في تشريعه بمناهج البشر ، ويطعن على منهج الإسلام من حيث  لا يشعر – جهلاً منه- على أنه حكم الفرد ، ونقول : إنه الحكم الإجتهادي لا يسوغ أن يخرج عن نطاق الأدلة الشرعية ، فلا بد إذاً من الرجوع إلى الحق ، فالحق أحق أن يتبع ، والتوفيق بيد الله وحده .

وجاء في الفقرة الرابعة من المنشور العبارة الآتية :( العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع…).

ويلاحظ على هذه العبارة تعميم المساواة وعدم التفصيل ، والإسلام لم يأت بالمساواة على هذا التعميم والإطلاق كما يقول المنشور ، وإنما جاء بالعدل و الإحسان ، ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان…) ولا بأس أن يقال جاء بالمواساة أيضاً.

أما المساواة فقد تكون فيما ليس فيه مساواة ظلماً لا يقره الإسلام وقد تكون عدلاً يأمر به وذلك فيما فيه مساواة.

فلا يساوى بين الذكر والأنثى   في بعض الحقوق والواجبات : في الميراث مثلاً ، وفي الجهاد فهو على الرجال دون النساء ، ويساوى في حقوق وواجبات أخرى ، ولا يساوى العامل المتقن لعمله في الأجر مع المميزات مع المضيع المقصر المهمل ، ولا صاحب الصنعة مع من ليس كذلك ، ولا صاحب المسؤليات والعمل الشاق مع من ليس بمثله ، والأمثلة وفق أحكام الإسلام كثيرة جداً نكتفي منها بهذا القدر .

وبهذه المناسبة فقد أعجبتني نكتة من أحد العلماء لما سمع المقالة أنشأ قائلاً : إذاً نكسو طفلاً صغيراً ثوب رجل كبير بحجة المساواة .

والأمر واضح إنشاء الله تعالى وما أردناه هو بيان الحق لمن إطلعوا على المنشور حتى لا يأخذوا ما فيه مسلماً .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ...

 

وكتبه

فالح بن نافع المخلفي الحربي




بتاريخ: 2004/09/07